عرف العرب الأشهُر الهجريَّة، وسمُّوها واعتمدوها في تقويمهم وتأريخهم، وورد في القرآن الكريم ذكرٌ لتعداد هذه الأشهُر وتصنيفها، فهي اثنا عشر شهراً، مُقسَّمةٌ إلى أشهُرٍ حُرُمٍ وعددها أربعة، وأشهُرٍ حلٍّ أو حلالٍ وعددها ثمانية، كما جاء في قول الله تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ).[١]
والأشهُر الحُرُم هي الأشهُر التي كان يقعد فيها العرب عن القتال في الجاهليّة وحتّى بعد الإسلام، ويمتنعون عنه فيها، وهي: ذو القعدة، وذو الحجّة، ومحرَّم، ورجب، فهذه الأشهُر الأربعة يحُرُم القتال فيها، فإذا انقضت كان العرب يخرجون لملاقاة الأعداء وقِتالهم، ومن ذلك قول الله تعالى: (فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ۚ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)،[٢] وأمَّا الأشهُر الحِلُّ فسُمِّيت بذلك؛ لأنّ القتال فيها يعود حلالاً بعد أن حُرِّم ومُنِع في الأشهُر الحُرُم، والأشهُر الحلُّ هي: صفر، وربيع الأوّل، وربيع الآخر، وجُمادى الأوّل، وجُمادى الآخر، وشعبان، ورمضان، وشهر شوَّال.[٣] وفيما يأتي حديثٌ عن شهر شعبان بوجهٍ عامٍّ، وليلة النِّصف منه بوجهٍ خاصٍّ، وتعريفٌ بهما، وحديثٌ عن فضلهما.
شهر شعبانشهر شعبان هو الشَّهر الثَّامن في ترتيب أشهُر السَّنة الهجريَّة، ويأتي بعد شهر رجبٍ وقبل شهرِ رمضان، وأمَّا سبب تسميته فقد اختُلِف فيه على قولَين؛ فهناك من قال: إنَّ التّسمية عائدةٌ لتشعُّب العرب في المناطق والأنحاء؛ طلباً للماء، وهناك من أرجع سبب التَّسمية إلى تشعُّب العرب في المناطق للقتال بعد أن كان ممنوعاً عليهم ومحظوراً في رجب.[٤]
إنَّ لشهر شعبان فضلاً وميزةً مُتمثّلةً بكونه الشّهر السَّابق لأفضل شهور السَّنة شهرِ رمضان المبارك؛ حيث يكون شعبان شهر الاستعداد لرمضان وتهيئة النّفس لاستقباله، وقد كان النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- يُكثِر من الصِّيام في شعبان، ومن ذلك ما روته عنه أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (كان رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يصوم حتّى نقول: لا يُفطِرُ، ويفطرُ حتّى نقولَ: لا يصومُ، وما رأيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ استكمل صيامَ شهرٍ قطُّ إلا رمضانَ، وما رأيتُه في شهرٍ أكثرَ منه صياماً في شعبانَ)،[٥] وورد عن النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- أنَّ كثيرين يغفلون عن شهر شعبان وعن فضله؛ فهو شهرٌ تُرفَع الأعمال إلى الله تعالى فيه؛ لذا أحبّ الرّسول -عليه الصَّلاة والسَّلام- الصّيام فيه، كما روى عنه أبو هريرة -رضي الله عنه- قال: (قلتُ يا رسولَ اللهِ: أراك تصومُ في شهرٍ ما لم أركَ تصومُ في شهرٍ مثلَ ما تصومُ فيه؟ قال: أيُّ شهرٍ؟ قلتُ: شعبانَ، قال: شعبانُ بين رجبَ ورمضانَ، يغفلُ الناسُ عنه، تُرفَعُ فيه أعمالُ العبادِ، فأُحِبُّ أن لا يرفع عملي إلا وأنا صائمٌ).[٦]
ليلة النِّصف من شعبانترِد وتنتشر أحاديث ومرويّات كثيرة عن ليلة النِّصف من شعبان، وما خُصَّت به من فضل وما لها مِن ميزةٍ، وكثيرٌ من هذه الرّوايات حول الإكثار من القُرُبات في هذه الليلة تحديداً، والمُتتبِّع لهذه الرّويات من عُلماء الحديث يجدها أحاديث ضعيفةً لم تصحَّ عن النَّبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- وهي مكذوبة عليه.[٧]
وقد تعدَّدت مضامين الأحاديث المُتعلِّقة بليلة النِّصف من شعبان، ومن الأمثلة عليها:[٧]
فحاصل الأحاديث الواردة في ليلة النِّصف من شعبان وفضلها ضعيفةٌ، ولم يُصحِّح علماء الحديث الأقدمون والمعاصرون منها أيّ روايةٍ إلا روايةً واحدةً، اختلف علماء الحديث فيها بين مُضعِّفٍ ومُصحِّحٍ، وهي رواية أنَّ الله تعالى في هذه الليلة يغفر لكلّ النَّاس إلا الكافر والمُشاحِن،[٧] وقد وردت هذه الرّواية عن عددٍ من الصّحابة، منهم: معاذ بن جبل -رضي الله عنه- حيث قال: (يطَّلِعُ اللهُ إلى جميعِ خلقِه ليلةَ النِّصفِ من شعبانَ، فيَغفِرُ لجميع خلْقِه إلا لمشركٍ، أو مُشاحِنٍ)،[١٢] والمشاحن هو المُبغِض والمُعادي[١٣].
المراجعالمقالات المتعلقة بليلة نصف شعبان